468x60 Ads


الاثنين، 25 أبريل 2016

آباء ظالمون

آباء و أبناء!!.



تتلخص العلاقة الإنسانية الطبيعية بين الأب والابن بتقديم الرعاية والحب له في الطفولة، والمشاركة والحوار في سن المراهقة والتفاهم والعطاء في سن الشباب والنضج. ولكن في الواقع، تبدو بعض العلاقات الأبوية في عالمنا العربي مشوّهة بالنسبة لهذا المفهوم المبسط. إذ تقوم العلاقات داخل بعض الأسر على ما يسمى "النظام الأبوي"، هذا النظام الذي يمنح الأب سلطة شبه مطلقة على زوجته وأولاده، الذكور والإناث. في ما يلي بعض الشهادات الحية لأبناء عاشوا القسوة الأبويّة خلال طفولتهم في سوريا، ومنهم من لا يزال يعيشها.

في كثير من الأحيان يخضع الأبناء لهذه السلطة ويؤمنون بها فتستمر علاقتهم مع آبائهم على وتيرة واحدة، لا يمكن وصفها بالجيدة. وفي حالات أخرى يسرف الآباء في ممارسة القمع والتسلّط والتعنيف فيتمّرد عليهم الأبناء، وتغدو العلاقة في نهاية المطاف سطحية فارغة من أي معنى، أو تصل لطريق مسدود ينقطع فيها التواصل بين الطرفين.

ذكرى مؤلمة ..

تتنوع تصرفات الآباء المتسلطين، إلّا أنّها تشترك بحبهم لاتخاذ جميع القرارات نيابة عن أبنائهم، واتباع أسلوب التهديد والوعيد لإجبارهم على تنفيذ أوامرهم، وكتم لغة الحوار داخل الأسرة، عوضاً عن استخدام العنف تجاه أبنائهم في الكثير من الأحيان.
أقوال جاهزة ..

أعرف أن والدي كان يحبنا، رغم قسوته كانت مشاعره تظهر في أوقات كثيرة، لكن لا أذكر أنه ضمني أو قبلني مرّة
 

الديكتاتورية الأسرية ..

تصف هبة (28 عاماً – حلب) والدها المتوفى بأنه "كان سريع الانفعال، يثور غضباً على أتفه الأمور، ولم يكن يضحك إلا نادراً". وتضيف: "حتى اليوم لا أذكر سوى وجهه العابس، وعينيه الزرقاوين الجاحظتين، ووجهه المشتعل احمراراً. حين كان ينظر إليّ كان قلبي يقع بين قدمي، كان ينادينا كضابط يستدعي جندياً في المعسكر".
وتذكر: "حين نكون نائمين ليلاً، كان يفتح الباب فجأة، ويصيح لنستيقظ، يتهمنا بأننا لا نحترمه ولا ننفذ أوامره، يسحب حزامه الملفوف على خصره، ويضربنا واحداً تلو الآخر. كان هذا يحدث معنا لسنوات، ويتكرر كل شهر مرّة أو أكثر".
تستطرد: "أعرف أن والدي كان يحبنا، رغم قسوته كانت مشاعره تظهر في أوقات كثيرة، رأيت حبه لي حين تزوجت وحين سافرت، لكن لا أذكر أنه ضمني أو قبلني مرّة، مشاعري نحوه اليوم يطغى عليها الألم".

حياة سريّة ..

 يميل الكثير من المراهقين والشباب لأن يعيشوا حياتهم السريّة الخاصة، يهربون فيها من رقابة آبائهم المتسلطين وهيمنتهم على حياتهم، ويكوّنون لأنفسهم عالماً يملكون فيه القرار وحدهم.
تروي شذى (26 عاماً – حلب) أنها باتت تخفي عن والديها كل تفاصيل حياتها منذ دخولها الجامعة. تقول: "كنت أستمتع بأي أمر لا يعرفانه عنّي، في الجامعة بات لي أصدقاء جدد من دون أن يرضى والداي عنهم، ومن دون أن يتعرفوا إليهم أصلاً، وأصبح لي غرفة في السكن الجامعي لا يستطيع أبي أن يفتحها في أي لحظة ويفتش فيها بين دفاتري وأغراضي. جميع هذه التفاصيل الطبيعية كانت ممتعة بشكل لا يصدّق". وتضيف: "وجودي في مدينة أخرى للدراسة ساعدني في أن أخفي عنهم كل نشاط أقوم به تقريباً، لنقل إن هذه كانت طريقتي اللاشعورية للانتقام من حياة الجحيم التي كنت أعيشها في السابق".
أما حسام (31 عاماً – إدلب) فيرى أن عيش حياة سرية كانت طريقته الوحيدة لتجنب أوامر والده والخوض في مشاكله التي لا تنتهي. يقول: "كنت لا أزال في الابتدائية حين بدأت أواجه مشاكلي وحدي، أدركت مبكرأ أن كل ما يفعله والدي هو أن يغضب ويفاقم المشكلة، ويفرض عقابه. يوماً بعد يوم باتت المسافات بيننا كبيرة جداً، مثلاً أبي لا يعلم اليوم أنني متزوج من فتاة أجنبية ولديه حفيد، فهو لا يزال يهددني بأنه سيغضب علي إن لم أتزوج إحدى بنات عمي، وحتى أمي لم تتجرأ على إخباره. بالنسبة لي الخوف ليس هو السبب، بل لأنني لا أريد أن أقحمه في حياتي بعد الآن".
وبالرغم من انحسار سلطة آبائهم عليهم، يبدو أن كلاً من شذى وحسام لا يزالان يعانيان من انعكاسها على حياتهما اليوم. تشير شذى إلى أنها، بخلاف جميع زميلاتها، كانت تبحث من حيث لا تدري على شريك حياة نقيض لوالدها. تقول: "حين ارتبطت بزوجي اكتشفت هذه الحقيقة، لطالما أردت رجلاً حنونا هادئاً، وكان يجذبني الوجه الضاحك والشخصية المتسامحة".
أما حسام فتحدث عن إحساسه بانعدام الأمان الذي يرافقه منذ الطفولة، يقول إن "من لم يجد الاستقرار في منزل والديه لن يجده في مكان آخر"، ويضيف: "ما عشته في صغري جعل مني إنساناً شديد التوتر، وسلبياً ولا يثق بأحد".

التحرّر ..

يطمح الكثيرون ممن عاشوا سنوات طويلة تحت سلطة آباء ظالمين ليعيشوا حياة ينعمون فيها بالحرية، فيثورون على هذه الدكتاتوريات الأسرية ويشقون طريقهم في الحياة بأنفسهم.
تنتمي ميساء (34 عاماً – دمشق) لعائلة محافظة، ترفض تعليم البنات وتسعى لتزويجهن في سن صغيرة، ووالدها كان متبنياً لهذه العادات وقاسياً جداً. تقول: "لم نكن نجرؤ على مخالفة والدي، كان صارماً جداً، ذات مرّة حين كنت في الثانوية العامة، ناداني لأحضر له فنجان القهوة، كنت أغوص في حلّ مسألة رياضيات ونسيت الأمر، فجاء إليّ غاضباً وجمع جميع دفاتري وكتبي وأحرقها أمامي، لم أحتمل المشهد وانهارت أعصابي. ذلك اليوم كان علامة فارقة في حياتي، عدت وتماسكت من جديد، وتابعت الدراسة بإصرار مضاعف، أردت أن أشق طريقي بنفسي وأتحرر من ظلمه لنا، وقررت أن لا أسمح له أن يمنعني مما أريد".
وتتابع: "نلت الشهادة الثانوية ودرست الطب وتخرجت وأصبحت مستقلة مادياً، طريقٌ كانت مليئة بالصدامات معه، لكني كنت دائماً أجد طريقة لتنفيذ ما أريد بحنكة. حتى أنني تزوجت من أحب من طائفة دينية أخرى، وهذا أشبه بالمعجزة في عائلتي. المفارقة أن أبي يفتخر اليوم بنجاحي أمام الناس وينسب الفضل إليه".

رأي علم الاجتماع ..

يرى عبد الحميد الفقير، المتخصص في علم الاجتماع، أن "كسر التسلط الأبوي على مستوى المجتمع، لا يكون إلا بالسعي نحو بديله الوحيد وهو مجتمع الحرية والعدالة والحقوق، الذي يتم الوصول إليه بدفع المجتمع لتبني موقف عقلاني يقوم على مبدأ المساواة والعدل واحترام كرامة الإنسان تجاه كل من الطفل والمرأة والفقير". ويضيف: "الظلم الذي يمارسه الوالد هو في معظم الأحيان انعكاس للظلم الذي عاشه في طفولته والذي يعيشه في حياته، فالآباء لا يغدقون على أبنائهم عاطفة حرموا هم منها في طفولتهم وتربّوا على إخفاء مشاعرهم، وفاقد الشيء لا يعطيه. كما أن هذا الأب الذي يعود في نهاية اليوم ويظلم أطفاله، ربما يكون تعرّض خلال يومه للاستغلال في العمل، أو يعمل في ظل قانون لا يضمن له حقوقه، أو يدفع الرشوة لتسوية أموره، هذه كلها مظالم اجتماعية تشكل حلقة واحدة".

السياسية الأبوية ..

يجمع الباحثون على أنّ الإرث الديني لكل من اليهودية والمسيحية ساهم في تكريس الثقافة الأبوية، التي يسيطر فيها الرجال على الأسرة والمجتمع والدولة، وتحتل فيها المرأة مكانة تالية لمكانة الرجال. هذه الثقافة عززها الإسلام أيضاً، إذ كان حاسماً في إعطاء الرجال السلطة على النساء في الأسرة والمجتمع، وهو ما تدل عليه عشرات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
إلّا أن الثقافة الأبوية لم تقتصر على المجتمعات التي اعتنقت هذه الديانات، إنما سادت في معظم المجتمعات البشرية، وربط باحثون بذورها بقسوة الطبيعة التي عاشتها المجتمعات في الماضي، وصعوبة كسب العيش آنذاك، إذ كان الرجل أقدر جسدياً على توفير الأمن والغذاء وبالتالي اكتساب السلطة.

من جانب آخر، يرتبط هذا الشكل من النظام الأسري الأبوي بأشكال الأنظمة السياسية الأبوية التي تحكم عالمنا العربي اليوم، فالقائد في مجتمعنا هو الأب، والأب هو القائد، ومن هذا المنطلق تحرص الأنظمة السياسية الأبوية على تعزيز حليفها النظام الأبوي الأسري من خلال المناهج التربوية والقوانين .
( منقول )

لكم التعليق


0 التعليقات:

إرسال تعليق